” بعد توقيعكم لعقد العمل أصبح لديكم أمانة في أعناقكم ” هذه العبارة قال ذلك الدكتور في دورته التدريبية ، عبارة بسيطة جـدا  تتكرر على مسامعنا  في أوقات مختلفة على مر الحياة ، ولكن كم عدد الأشخاص الذي استوعبوا تلك الكلمات ، للأسف الشديد مازال مفهوم العمل لدينا يسـاوي الراتب فقط لا غير ، دون الاهتمام بأمور أخرى تندرج تحت الوطنية وإخلاص النية في أداء الواجب الوظيفي وغرس مفهوم الأمانة الوطنية والوظيفية في النفس البشرية مما يؤثر وبشكل واضح على الإنتاجية لدى الموظف ، وبذل الجهد والوقت لتحقيق الأهداف الموضوعة لديه أو لدى المؤسسة نفسها .

قبل فترة طرحت سؤال عن المساهمة في الوطن وهل كنت جزءا من ذلك ، وكانت الإجابات كثيرة وأغلبها كان بالإيجاب ، وقبل الحديث عنها بالتفصيل ،ساذكر لكم موقف تلك الفتاة التي قالت في إحدى المحاضرات “يا دكتور أن صار لي 5 سنوات اشتغل وملتزمة بالعمل وانجاز جميع المعاملات والمهام الوظيفية على اكمل وجه ، ولكن بعد ان رأيت أنه لا يوجد اهتمام ولم يتم ترفيعي ، قلت في نفسي  راح اعمل ثماني ساعات والتزم بها دون الاهتمام بالأمور الآخرى أو حتى المساعدة وكل ذلك بسبب عدم الاهتمام بالجهود التي قدمتها هذه الفتاة ، رد عليها رجل من الحضور وقال لها يا اختي ” أنا صار لي اعمل 30 سنة قبل ما تكون هناك طاولات أو كمبيوترات مثل حالنا اليوم ،  وكنت احضر للعمل قبله بساعة وانصرف من العمل بعده بساعة ، وهناك فترات تحتاج مني التحرك والخروج لمتابعة سير العمل ومازلت مُلتزم بذلك حتى اليوم ، ولليوم لم احصل على مكافأة أو ترفيع أو حتى تقدير من أحد ، أشار أحد الحضور عليه بأنه مجنون  ، وكان رد الرجل سريعا حيث قال ” لكنني عندما أخرج كل مرة من المنزل وأشاهد ما وصلت إليه الدولة اليوم  أشعر أنني ساهمت ولو بجزء بسيط من هذا التطور والبناء وقدمت شي لوطني ” انتهى .

هل عملنا بهــذه الطريقة ..؟؟

من منا يستطيع أن يتحمل ويعمل بنفس المستوى العالي في ظل تلك الظروف التي مر بها ذلك الرجل ، ويكون مقتنعا اقتناعا تاما بأن ما يقوم به حتى ولو تأخرت المكافأة هو للوطن ورد جميله الذي لا يُمكن لأحد أن يرد ولو جزء بسيط منه ، بل ما هي أسبـاب الرجل في المواصلة في العمل بهذه الطريقة ..؟ ولو وضعنا شخص آخر في مكانه فاعتقد أنه لن يُكمل شهرا إلا ويترك عمله لوظيفة أخرى .

أحد الموظفين الجدد الذين قابلتهم قال لي بالحرف الواحد ” راح اشتغل سنتين وبعدها بقدم استقالاتي ، بكون كسبت خبرة وخلصت الجامعة واحصل لي وظيفة يديدة ” ، مع أن وجهة نظري أن مهما كانت قيمة عقد العمل ، فإن النفس البشرية تطلب المزيد ولن ترضى بالقليل ، حتى لو بلغ راتب الموظف الـ 100 ألف ، فسيظل يبحث عن المزيد ، وهذا حال أغلب الموظفين الذي استمروا في وظائفهم ومصابين بحالة من الخمول والضجر  بسبب المادة مما يؤثر على الفرد نفسه والمؤسسة التي يعمل بها  في المقابل نجد أن شخص واحد يعمل من أجل الوطن ويحمل الامانه في صدره يسـاوي عشرة موظفين في أماكن أخرى ، وكل ذلك اعتمد على إخلاصه في العمل ومعرفته أن هذا ما يقوم به هو أمانة للوطن .

نظرة على الوضع الحـالي مقارنة بأغلب شكاوي الموظفين :

  • الموظف يأتي متاخرا عن العمل .
  • الموظف يحمل كراهية وحساسية مع زملائه لموقف شخصي .
  • الموظف يتذمر من كل صغير وكبيرة في العمل .
  • الموظف لا يؤدي المهام الوظيفية على أكمل وجه .
  • الموظف مُنفر لكل من يحاول التواصل معه .
  • الموظف انتاجيته قليلة .
  • الموظف لا يحمل مهارات التعامل .
  • الموظف يتحدث كثيرا في الهاتف مع زملاء من خارج العمل .
  • الموظف لا يعطي صورة مشرفة له ولمؤسسته .
  • الموظف يتحايل في الغيابات بالإجازات المرضية وغيرها .
  • الموظف يُفشي بكل ما يدور في عمله .

هل فعلا نكون ساهمنا في البناء ولو جزء بسيط من هذا الوطن وهذه هي صفات بعض الموظفين إن لم يكن الاغلب ..؟!!

قال لي أحدهم عبارات جميلة جدا وهي ” القلم الذي تستخدمه في عملك هو أمانه لديك ، ولا يحق لك استخدامه في غير مجال العمل أو حتى اخذته معك للبيت يجب أن تعوض العمل بقلم ثاني ، لأن هذه عهدة وأمانه لديك ، حتى الثماني ساعات التي تقضيها في العمل هي وقت للدولة والعمل وهو أمانــة لديك يحب أن تستغله خير استغلال ”

ربما يسخر البعض ويُقلل من شأن القلم والورق وغيرها ، ولكن يجب أن لا نُقلل من الأمـانة المحمولة على أعناقنا ، وإن لم تكن فرد فعال في المجتمع من أجل الوطن فاترك المجال لغيرك لأنهم يشعرون بقيمة الوطن ومستعدون لتقديم ما يملكون من أجله .

الشخص الذي يود أن يصل إلى ذلك المستوى الذي يتحدث فيه بثقة أنه فعلا ساهم بجزء من بناء الوطن ، عليه أن يدرك جيدا أن هناك شروط ومعايير مهمة يجب الإلتزام بهـا ، وأبسطها ان تكون أنت صورة مشرفة لوطنك ، أما الشروط الأخرى تندرج أغلبها في مجالات العمل ، من الإلتزا التام لأداء الواجب الوظيفي من استغلال وقت بكامله للعمل ، والأمانة في التعامل ، وان تكون جاهزا لتلبية النــداء في أي وقت يُطلب منك ، اذكر إحدى المرات تم الإتصـال بي السـاعة الثـانية صباحا للحضور للعمل لإصلاح خلل في إحدى الطابعات وكانت تلك الفترة فترة طوارئ ، ورغم أن الخلل كان عاديا ، إلا أنه فعلا شعر بشعور رائع أن كون يقظا والناس نيام ، أما حال البعض ما إن نقول له يجب أن تحضر في يوم إجازة لأداء العمل حتى يبدأ بالضجر وانقلاب المود من سيء لأسوء ويبحث عن طرق كثيرة من أجل عدم الحضور ، هل يُمكن أن يقف هذا الشخص ويتحدث بثقة عن مساهمته في وطنه ..؟

أخيرا يجب علينا أن تكون لدينا رؤية واضحة في جميع حياتنا ، وأن الوطن له حق علينا يجب أن نـؤديه على أكمل وجه دون نقص كان في مجال العمل أو غير مجال العمل ، وأن نداء الوطن يجب أن يُلبى في كل الأوقات مهما كانت حالتنا ، فالأرض التي نحن عليها لها فضل كبير علينا ، وهي لن تأتي لتطلب منا رد الجميل أو المساهمة في بنائها ، بل ستستقبل كل شخص يود أن يخدمها ويسـاهم من أجلها ويكون جزءا من الوطن ، وعلينا أن نبذل الرخيص والغالي لنصل تلك المرحلة التي يُمكننا من خلالها أن نقول أننا جزء من الوطن وساهمنا في بنـائه .

فالله الله يا أخــواني وأخواتي في خدمة وطنكم ، ولا تنتظروا الراتب والمكافآت أو أن الناس تتحدث عنكم ، بل عليك بالعمل بصمت وشـاهد إنجازاتك ومساهماتك على أرض الواقع لتفتخر بعدها أنك كنت جزء من وطنك .

Comments are closed.