تمر الأيام ، وتتغير الأحوال ، وينتقل الناس من طبقات إلى طبقات ، فكان هناك المجتهد الفقير الذي استغل فرصة من فرص الحياة ، فتحول من جحور الفقر إلى عمارات الغنى ، بعد أن ترعرع على أرض طيبة ، احتضنته ، وفتحت ذراعها له ، ليبدأ خطوات النجاح في الخروج من حال إلى حال أفضل مما كان عليه ، ليسطر اسمه بلقب كبير التجار ، ويدخل قائمة القوى العظمى في التجارة ، وينهال الخير الكثير عليه حتى يصاب بالسمنة لدرجة أنه ينسى فضل الوطن عليه ، ولولا تلك الأرض الطيبة التي ولد عليها ، ووقفت معه من أجل تحقيق طموحه وأهدافه لما انهال عليه الخير الكثير ، ليسطر اسمه في فئة الأغنياء ولكن بدرجة ناكر للجميل .

تعاني الطبقات الفقيرة على مستوى العالم من حياة البؤس والتشرد ، ويصل الأمر إلى التفكك الأسري أو دخول عالم الجرائم ، أو في حالات إلى الانتحار ، وكل ذلك السبب يأتي لعدم قدرة رب الأسرة على توفير لقمة العيش لعائلته ، بالإضافة إلى تحمله أثقال الديون والقروض ، بينما على الطرف الآخر أصحاب الأموال ينعمون في الخيرات ، وثراء التجار ، دون تفكير في كم نقص من المال ، فهو في ازدياد ، أو حتى بالسؤال عن ميسوري الحال لانتشالهم مما هم فيه ، فالثروة الكبيرة غيرت شخصياتهم ، واقست قلوبهم فنسوا حال الآخرين الأقل منهم بكثير ، ونسوا امرأ مهما أن الدنيا دار زوال ،والإنسان عندما يتوفاه الله تعالى لا يذهب معه لا المال ولا العيال وإنما الأعمال التي يحاسب عليها ، فسبحان الله رغم تلك السنوات التي بذل فيها الجهد من أجل الثروات ، ها هو الآن ملفوف بكفن في بطن الأرض ، والأحياء على الأرض ملكوا ثروته وأمواله ، ولم تنفعه إلا ما كان في الخير .

يعاني كثير من المؤسسات الوطنية والشركات الخدمية والخيرية وذات النفع العامة من الإمكانيات المادية ، حيث تعاني طوال السنة من العجز المالي ، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات عشوائية من أجل التغلب على العجز المؤرق مثل إنهاء خدمات الموظفين ، أو تقليص الخدمات التي تقدمها ، أو زيادة في أسعار خدماتها ، بل الأكثر من ذلك فشلها في تحقيق طموحات عملائها أو تحقيق أهدافها الإستراتيجية ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا لا يقوم التجار بالمساهمة بمبلغ بسيط من أجل تحسين أوضاع تلك المؤسسات والشركات وكل ذلك من أجل مصلحة الفرد والمجتمع والمشاركة في بناء الوطن كجزء من رد الجميل ، والقيام بمسؤولياتهم الوطنية ، أم أن الأموال آنساهم أرضهم ووطنهم ، وأصبحوا مثل تلك الفئة التي تأخذ وتنهل من خيرات البلاد من دون أن تفكر ولو برد القليل مما لديهم .

لا نطلب منهم المستحيل بل بضعة دراهم تضمن للطفل الفقير حياة سعيدة وتعليم أفضل ، وللشباب لتحقيق أحلامهم لكن المادة كانت سببا في توقف طموحاتهم ، ورسم البسمة على وجوه الأرامل والمطلقات التي أصبحت مسئولة عن عائلة كبيرة لا تعلم كيف تصرف عليهم ، بل على الأقل دعم المستشفيات التي تعاني من نقص في الأدوية والمعدات الطبية ، أو المدارس التي لا تملك أجهزة متقدمة لتطوير عملية التعليم ، أو دعم المشاريع الشبابية التي تقدم صورة مشرفة للوطن مثل تكاتف وغيرها من المجموعات الشبابية ، ولا اعتقد أن المشاركة بمبلغ يتكون من ستة أصفار لن يؤثر على الرصيد المالي للتجار والهوامير بل لن يفكروا دقيقة واحدة في النقصان أكثر من تفكيرهم في زيادة أرصدتهم ، وما نقص مال من صدقة ، وكلنا يعلم أن الصـدقة تبارك في المال وتزيده ، فأين المتصدقين ، وأين زكاتهم ؟ ، فلو زكى كل غني بأمواله لما وجدنا في الأرض إنسان يشكو الفقر ونقص المال .

إلى متى سيبقى كثير من التجار خارج السرب ، يغردون لوحدهم دون الاهتمام والنظر إلى أخوانهم ممن يعانون من ضيق العيش ، والتحرك والمبادرة للوقوف معهم ، أم طبق عليهم قول “الفلوس تغير النفوس ” فتغيرت أخلاقهم وأفعالهم ، فالطيب أصبح خبيثا ، والمتواضع صار متكبرا ، لماذا لا يتم إجبار كل التجار بالتبرع سنويا بمبالغ مالية للمؤسسات والشركات الخدمية ، مثل صندوق الزواج لدعم الشباب وتشجيعهم على الزواج ، أو المساهمة في إسقاط الديون عن المديونين بالمبالغ الصغيرة والمتوسطة ، وكل ذلك سياهم في رقي الفرد في المجتمع وغرس مفهوم اننا جميعا في نفس القارب ولا يوجد من يبحر بمفرده ، فالكل سواسية وعلينا أن نتعاون ونتكاتف من أجلنا من أجل الآخرين ، ولنكن دائما في داخل السرب ، اللهم بارك في مال كل غني متصدق ومتبرع ، وزده من الخير الكثير كلما وقف مع المحتاجين والفقراء .

Comments are closed.