إن في حياة الإنسان تُتاح الكثير من الفرصة ، والحياة كما نسمع ما هي إلا فرص ، والذكي من يستغل تلك الفرص ويستثمرها بالشكل الصحيح ، وينقل نفسه إلى مرحلة جديدة من حياته ، وكم من الناس الذي ندموا أشد الندم على تضييع فرصة كانت ستغير حياتهم بأكملها ، ونحن في شهر الخير والبركة ، شهر الرحمة والمغفرة ، شهر رمضان المبارك ، شهر فيه فرص كثيرة غفل الناس عنها وتناسوها ولم يهتموا بها ، فرص ربما لن تتكرر في السنة القادمة إن لم يكتب الله لنا عمر جديد ، وأهم فرصة هي فرصة التغيير .

إن رمضان فرصة لكل شخص منا أن يبدأ حياة جديدة مع ربه ومن ثم مع نفسه ومع مجتمعه ، رمضان فرصة لترتيب الأوراق وتنظيم الأمور لدى الفرد ، رمضان فرصة للتغيير من حال إلى حال ، فرصة أضاعها الكثيرون وتحسروا عليها ، وها هي الفرصة تُتاح لنا للتغيير ، والبعض يسأل ويتسائل عن عملية التغيير في شهر الرحمن ، ونقول أنها تعتمد على نفسك لتحسين حياتك للأفضل ، وهدفها الرئيسي هو التقرب من رب العالمين وتقوية إيمانك وصلة ربك ، ولن يتحقق ذلك إلا لو ركزنا في رمضان على نقاط ضعفنا والجانب الذي قصرنا فيه والذي يحتاج إلى تقوية  في النقاط التالية :

  • صفحة جديدة :

رغم مرور أسبوع عن شهر الخير ، لكن الفرصة مازلت موجودة لنبدأ صفحة جديدة مع ربك أولا ومن ثم من نفسك ، كل ما هو مطلوب منك أن تجلس مع نفسك لساعات وتتفكر في حالك ، وتُقارن نفسك كيف كنت قبل رمضان وكيف أنت في رمضـان ، ماذا تغيير ، وما هو الجديد في حياتك ، هل زاد تقوى إيمانك في رمضان أكثر مما هو عليه قبل رمضان ، ولماذا وكيف ؟ هل تركت عادات سيئة كنت تقوم بها قبل رمضان ، ولما اختفت مع رمضان ؟ ضع مجموعة من التسـاؤلات لتعرف نفسك أين أنت مع ربك ومع نفسك ومع مجتمعك .

  • قراءة القرآن الكريم :

كثير منا قصر في كتاب الله ، وجاء رمضان وبدأ الناس في التمسك بالقرآن الكريم وكأنه جزء من حياته ، والغريب أنه ما إن يبدأ رمضان وكأن أحد ضرب الناس على رؤوسها وتذكروا أنهم قصروا في كتاب الله ، الذي يجب أن يكون دستور لكل مسلم ، وبدأوا مع أول أيام الشهر الفضيل في المسارعة في ختمه مرات عديدة ، وهنا فرصة لجميع المُسلمين في تدبر كتاب الله وتعويد النفس على المثابرة في قراءته في رمضان وبعد رمضان ، فمن كان مقصرا فيه فعليه بمجاهدة النفس وإلزامها بالقرآن الكريم في حياتنا ، جتى لو صفحة واحدة يوميا ، ليكون لنا شفيعا يوم القيامة .

  • قيام الليل :

ما أجملها من لحظات ونحن نقوم الليل وندعوا الله بالرحمة والمغفرة ، ما ألذها من لحظات إيمانية مع رب العالمين في وقت يكون الناس نيام ، وفي ساعات ينزل في رب العباد ، كما جاء في الحديث القدسي  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : ” هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ، هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ ، حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ أَوْ يَرْتَفِعَ . إذا هذه فرصة عظيمة علينا أن تكون جزء من حياتنا بأن نقوم الليل ونصلي وندعوا الله تعالى ، حتى لو ركعة واحدة  ، فقد جاء في الصحيحين: عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: كَيْفَ صَلاةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: (مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ ).

  • صلة الأرحام :

وما أدراك ما صلة الأرحام ، كم من شخص قطع أرحامه لو يصلهم لفترات طويلة ، فها هو شهر الخير والبركات قد حل علينا ، فعلينا أن نصفي النفوس ونصل أرحامنا ونسأل عنهم ونتواجد معهم ، فما أروع أن تصل البنت أمها وأن يصل الولد والده وأن يتواصل الأقرباء فيما بينهم ، فالتواصل فيه خير ورحمة ومودة بين الناس ، عن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله )) البخاري- الفتح10(5989). ومسلم (2555) وهذا لفظه. عن أنس بن مالك_ رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من سرهُ أن يبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه)) البخاري الفتح10(5986) ومسلم (2557) .

أخيــرا ، نقول أن هذه الفرصة موجودة ومتوفرة لكم ، وهذا الشهر الفضيل ، يجب أن نخرج منه وقد استطعنا تغيير أنفسنا للأفضل ، وتغيير حياتنا لما يرضي الله ، ويا حسـرة من فرط في رمضان ، فكان شهر الخير بالنسبة له كسائر الأشهر والأيـام ، فالله الله يا أخواني وأخواتي ، اوصيكم واوصي نفسي قبلكم ، أن نستغل شهر البركات ، وأن لا نفوت أي فرصة  ، ولنخرج منه فائزين بمرضاة الله ونكون ممن اعتقت رقابهم من النيران ، ونرفع أيدينا بالدعاء بأن يعدوه علينا ويبلغنها رمضان في السنة القادمة ، انت من تحدد يا اخي واختي ، بيدك مفتاح التغيير وأنت صاحب القرار ، فوالله من عاد إلى الله فلن يضيعه رب العباد ، وتخيلك ممن أخذ الله أرواحهم وقد ضيعوا رمضان ، تخيل لو قيل لك أن الله سيأخذ روحك بعد ساعة ، فماذا أنت فاعل فيها ؟ فرصة تأتيك وربما لا تعود ، فاجعل رمضان شهر التغيير .

Comments are closed.