الساحرة المستديرة لقب أطلق على كرة القدم والذي لم يأتي من فراغ بل جاء بعد أن استطاعت أن تحتل مكانة كبيرة على مستوى العالم ، وتمتلىء المدرجات بالجماهير الغفيرة من أجل مشاهدتها والاستمتاع بها ، فهي سبب  في رسم البسمة على وجوه الفائزين أو رسم تعابير الحزن على وجوه الخاسرين ، والمتعصبين لها والمدمنين عليها تُسبب لهم الأزمات القلبية والإغماءات المفاجأة ، نعم هذه هي الساحرة ، سحرت كل من لمسها أو تعرف عليها ، وأجبرت العاشقين والمحبين على استنزاف أموالهم من أجلها ، وقلة قليلة لا تهتم بها ولا تعرف أي معلومات عنها ، وترى أنها مضيعة للوقت والجهد ، ولا تستحق كل تلك الضجة التي تحدث ، ولا تستحق ذلك الإهتمام الكبير الذي يُعطى لها ، ونقول لهم من منظور واسع أن كرة القدم دروس وعبر ، ويُمكن أن يطور الفرد من نفسه من خلالها بمجرد أن يطور من تفكيره ونظرته لكرة القدم .

تطوير تفكيرنا ونظرتنا للأمور من جميع الجوانب تساعدنا على أن نتعلم من كل شيء موجود في هذه الحياة في تطوير أنفسنا ، وندخله ضمن تصنيف التنمية البشرية وتطوير الذات ، فكرة القدم ليست مجرد مباراة بين فريقين لمدة 90 دقيقة ليتحدد الفائز والخسار أو يكون هناك تعادل ، بل من النظرة الواسعة يُمكننا أن نتعلم الكثير منها ، ونتطور ونغرس في نفوسنا أمورا رائعة يفتقدها الكثير من الأفراد ، وسنرى أمثلة لا تنتهي  من عالم المستديرة نستفيد منها ، فكرة القدم ترتبط ارتباط قوي بالحياة وتقدم لنا دورس مجانية وقيما ربما لا نجدها في أماكن أخرى إلا بالمادة ، كل ما نحتاج إليه توسيع الفكر والتركيز وقليل من التحليل ، إذا لم نُعطي الأهمية للموضوع فلن نعرف كيف أن قطعة الجلد تلك  تقدم لنا الكثير .

كرة القدم تحتاج إلى فريقين  على أرض الملعب ، و11 لاعب ( من ضمنهم كابتن الفريق ) من كل فريق مع مدرب وطاقم إداري وفني وطبي ، فالمقابل  نتعلم من هذه المنظومة الكورية   أن فريق العمل يحتاج إلى قائد له ومشرف أو متابع ، فلا يُمكن لفريق العمل أن يتحرك خطوة من دون قائد يقوم بالتوجيه بالإضافة إلى مشرف يتابع الامور ينسق ويرتب لكل ما يُطرح على فريق العمل ، فكابتن الفريق هو المشرف داخل الملعب والمدرب هو القائد الذي يضع التكتيك والخطط ويوزع المهام والمسؤوليات بين الهجوم والوسط والدفاع والحارس ، وكل شخص يُكمل الآخر ، وكذلك الأمر نفسه في مجال أعمالنا وكل عمل نحتاج فيه إلى فريق يحقق تلك الأهداف ، إذا ألا يُمكننا تعلم فنون إدارة فرق العمل من خلال كرة القدم .؟؟

في المستطيل الأخضر على كل فريق أن ينقل الكرة بين 11 لاعب حتى يصل إلى المرمى الخصم ويسجل الهدف ، أي أن اليد الواحدة لا تصفق ، وعلى كل لاعب أن يُدرك أهمية اللعب الجماعي في تحقيق الانتصارات ، فلا يُمكن للاعب واحد أن يجري بالكرة من المرمى إلى الآخر ويسجل ، فهنا نتعلم أن العمل الجماعي أفضل بكثير من العمل الفردي ، والتفاهم والتجانس مطلوب بين أفراد الفريق ، فالجماعية تُعطي ثمارا أكثر ونتائج أفضل ، بينما الفردية يُمكن في الغالب أن تكون سببا في الخسارة والتراجع ، وتكون سبب في حدوث مشاكل  بين اللاعبين مما يؤدي إلى التشتت والتفرق ، إذا ألا يُمكننا تعلم الجماعية والتفاهم من كرة القدم ؟؟

قبل يومين كانت هناك مباراة بين نادي برشلونة الأسباني ونادي بايرن لفركوزن الألماني والتي انتهت بفوز الأول ب3 أهداف لهدف ، قبل المباراة خرج مدرب الفريق الألماني بتصريح يقول : ” الفوز على برشلونة معجزة ” ، استغربت  من هذا التصريح الإنهزامي منه ، وقلت في نفسي لماذا يلعب في بطولة من أهم البطولات العالمية ولديه تلك الروح الميته والنظرة القصيرة ، فالقائد يجب أن ينظر لما هو أبعد ، ويكون كل تفكيره في الإنجازات وتحقيق الأهداف الكبيرة ، فوجب عليه المحاولة بكل ما يملك ، ويزرع الروح القتالية في اللاعبين ، ويلعمهم عدم وجود المستحيل في كرة القدم ، ويُجبر الجميع على احترام فريقه ، وبعد كل ذلك إن أصبنا فلنا أجرين ، وإن أخطأنا فلنا أجر المحاولة ، وهنا نتعلم أنه في كل جوانب حياتك لا تضع العقبات والمصاعب قبل البداية في المشروع أو قبل أن نجرب ، شجع كل من حولك على المحاولة وازرع فيهم الروح القتالية والطاقة الإيجابية ، وشاهدوا كيف استطاع ماردونا بأن يزرع الروح القتالية في فريق إماراتي ولو كان يملك إبداعات التكتيك لحقق الكثير ، فالمحاولات والتجارب تحدد صعوبة الأمر ، وليس التخمين أو وضع التوقعات ، واذكر لكم قصة الطالب الذي كان نائما في صفه والدكتور يشرح الدرس ، وما إن انتهى الدرس ، وقام الطالب من غفوته وجد معادلة مكتوبة على السبورة فظن أنها الواجب ،فكتبها في دفتره  ، وبدأ بمحاولة حلها  في المنزل رغم صعوبتها ، وبذل كل شي من أجل الوصول لنتيجة لها حتى تحقق ذلك ، ومع بداية الدرس في اليوم الثاني ، استغرب من عدم سؤال الدكتور عن الواجب ، فسأله عن الواجب والذي كان مكتوبا على السبورة في الدرس السابق ، فرد الدكتور أن المعادلة التي كتبها لم تكن واجبا بل كان يخبر الطلاب عن أصعب معادلة في العالم لم يتمكن أحد من حلها ، ولكن الطالب قام بحلها ، والسبب أن الأغلبية لما سمعوا بعبارة أصعب معادلة في العالم ، اقتنعوا بأن حلها مستحيل ولم يقوموا بمحاولة للتأكد من صعوبتها ، إذا بعد هذه القصة ألا يُمكننا تعلم  المحاولة وبذل كل شي والإبتعاد عن وضع العقبات وبث الروح الإيجابية والثقة بالنفس بدلا من الروح الإنهزامية التي لا يُمكنها أن تُفجر طاقاتك في أداء عملك أو تزيد من ثقتك في نفسك ، وكيف أن كرة القدم نتعلم منها كل ذلك ؟ والدليل كم من فريق صغير استطاع تحقيق الإنجازات وسط وجود الكبار  ، لأن بداخلهم الثقة بأنفسهم ، وعدم وجود كلمات المستحيل في قواميسهم .

عندما ننظر للاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب ريال مدريد وغيره من اللاعبين أمثاله ،نجد فيه مواصفات اللاعب المحترف الذي يتمناه كل مدرب  ،” مهارة ” سرعة ” جسم ” قوة ” ، لدرجة المقارنة بينه وبين أسرع عداء فالعالم الجامايكي اوساين بولت  ، ولتحقيق تلك المواصفات مثل المهارة التي تأتي بالتدريب المستمر ، والتركيز على كل مهارة بالتمارين الخاصة ،  أما السرعة والقوة تعتمد على هيئة الجسم والنظام الغذائي الصحي ، فلاعب ريال مدريد أغلب وجباته من الأغذية الصحية ، إذا كل من يُعاني من السمنة والاوزان الثقيلة عليه التعلم من لاعبي كرة القدم في جدولهم اليومي ونظامهم الغذائي الثابت والصحي ، بهذه الطريقة يُمكن أن تكون كرة القدم سببا في حصولنا على الأجسام الرياضية ، وتحقيق الرشاقة التي بحثنا عنها كثيرا .

الروح الرياضية وما أدراك ما هي ، تعبتر من أخلاقيات كرة القدم ، ويجب على كل لاعب أن يتحلى بها ، لأن كرة القدم في الأخير فوز وخسارة ، والجماهير تحضر لتستمتع وتشجع ، ولم تأتي لتُشاهد معركة قتالية ينتج هناك مصابين وضحايا ، لأننا نبحث في الاخير عن مباراة نظيفة وقوية ومُمتعة ، كانت تلك الروح داخل الملعب أو خارجه ، واذكر خبر فريق تعمد إهدار ركلة جزاء احتسبها الحكم لأن قبل ركلة الجزاء كان هناك إسقاط الكرة بين لاعبين ، ووجب على اللاعب إرجاع الكرة للفريق الآخر ، فما كان منه أن تقدم بالكرة ووصل إلى منطقة الجزاء وعُرقل ، ونال على تلك ركلة الجزاء ، والتي اعتبرها زملائه أنهم لا يستحقونها ، فما كان منهم إلا إهدارها وعدم الإهتمام بالفوز بهذه الطريقة التي افتقدت فيها الروح الرياضية ، وفي حياتنا بين العائلة أو الأصدقاء أو بين زملاء العمل نحتاج إلى التحلي بالروح الرياضية ، ومساندة الطرف الآخر لو احتاج الأمر إلى تقديم التنازلات ، فالأهم هي الأخلاق في كل خطوة نتقدمها مع الآخرين .

أخيرا هناك الكثير من الدروس التي أرغب في الحديث عنها ، فعالم كرة القدم عالم بلا حدود ، وكل يوم يتم تقديم إبداعات كورية تجربنا أن نستمتع بها ونتعلم كيفية التعامل مع المواقف والأحداث ، فالصبر أيضا من كرة القدم نراه في مدرب المان يونايتد الذي استلم الفريق عام 1984 وحتى الآن ، وعليكم بمشاهدات الإنجازات التي حققها ، فالصبر مفتاح الفرج ، والنتائج لا يُمكن تحقيقها في يوم وليلة ، إذا توصلنا في نهاية الموضوع إلى أن تطوير نظرتنا وتوسيعها تجعلنا نتعلم الكثير في حياتنا حتى لو كانت أمور صغيرة وبسيطة  ، فلنبدأ من اليوم بتكبير العقول والنظر من جميع الجوانب ونفكر بطريقة مُختلفة عن الآخرين ،  لنحصد ثمارا لم نكن نتوقعها ونعرف طرقا لتطوير الذات وتنمية المهارات ، فهذه كرة القدم بينها وبين الحياة دورسا لا تنتهي .

 

 

 

8 thoughts on “بين الكرة والحياة .. دروس”
  1. السلام عليكم ..

    اهنيك أخي على هذه الفكرة الرائعة وعلى هذا الأسلوب المميز ..أعتقد أخي الكريم أنك وفقت كثيرا في العنوان وفي صياغة المحتوى ..هذا يدل بلا أدنى شك على عقلية مميزة ..ونظرة ثاقبة ..وفقك الله لكل خير …
    أخوك : أبو حسن ” معلم لغة عربية “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *