يُعتبر يوم الجمعة من أهم الأيام في حياة كل مسلم ، ويتميز بأنه يوم خُلق فيه آدم عليه السلام وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة وفيه ساعة استجابة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه ، ويتوجه المسلمون للمساجد في هذا اليوم للاستماع للخطبة قبل القيام لصلاة الجمعة والتي تعتبر أهم جزء في هذا اليوم وهي الخطبة والأحاديث الشريفة دلت على ذلك لما فيها من الدروس والعبر والموعظة الحسنة التي يستفيد منها المسلم وحتى الملائكة تحضر الذكر وتستمع للخطيب وهو يذكر بتقوى الله والتقرب منه عز وجل لتتحقق الأهداف الإسلامية السامية في يوم الجمعة ،وقال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ))  ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ).

إن المتابع لحال خطب الجمعة اليوم ليتحسر على الماضي الذي كانت فيه خطبة الجمعة قوية ومؤثرة ومليئة بالدورس الدينية وتكثر فيها الآيات والأحاديث والقصص ، واليوم أصبحت خطبة مُملة لدرجة أن بعض المصلين إن لم يكن أغلبهم إما يُصاب بالنعاس أو يخرج من المسجد ولا يعلم عن ماذا كانت الخطبة وبماذا تحدث الخطيب ، وكل ذلك يأتي لسببين الاول ضعف الخطيب الذي أصبح في راحة تامة من إعداد الخطبة فتأتيه جاهزة ، ويبدأ بقرائتها وكأنه مذيع في نشرة إخبارية من دون أن يؤثر على المصلين ، والمصيبة أن تكون الخطبة عن يوم القيامة ويمر عليها مرور الكرام من دون أن يقف عند مواضع الترهيب والترغيب ، وهذه مشكلة ظهرت في خطبائنا الذي يفتقدون لأساسيات الخطابة وكيفية التأثير والتفاعل مع خطبة الجمعة ، فنجاح الخطبة تأتي من عدد القلوب التي حركتها وجعلتها تخرج من المسجد تتفكر في نفسها وفي إيمانها  وكل ذلك من أسلوبك وقوة إلقائك ، لأن المصلين يرغبون بخطيب مُتمكن من الخطابة يؤثر فيهم ويتأثرون به ، فإن تهدي رجلا خير لك من الدنيا وما فيها ، لهذا السبب أصبحت منابرنا مهجورة .

السبب الثاني توحيد الخطبة في المساجد ، وهذه فرصة أو عذر للخطباء بعدم قدرتهم على التفاعل بأنهم لم يتعودوا على الإمساك بالأوراق والإلتزام حرفيا بما فيها ، بالرغم من أن توحيد الخطبة فكرة رائعة وجميلة ، ولكن كان من الأفضل أن يتم تحديد موضوع الخطبة ويقوم كل إمام بتجهيز خطبته ومراجعتها من قبل المسؤولين أو أن يتم وضع شروط وأساسيات خطبة الجمعة بحيث يلتزم فيها الخطباء عند إعدادهم لها بذلك تكون الخطبة من الخطيب نفسه وتُحل مشكلة التفاعل والتأثير ، ولو تحدثنا بكل صراحة ووضوح فالإمام المبدع لن تكون الخطبة الجاهزه عقبة في إبداعه في الإلقاء ، واتذكر أنني حضرت خطبة مؤثرة لخطيب كانت أوراق الخطبة أمامه ولكنه أبى إلا أن يؤثر في المصلين لدرجة أنه لو استمر في خطبته ساعات لما مللنا منه لروعة إلقائه وتفاعله ، بل إن هناك من المصلين من بكى وتأثر كثيرا  ، نعم قلبٌ حي يُوقظ قلوبا نائما ، ومنابر تهتز من قوة خطيبها لانها منابرة معمورة لا منابر مهجورة .

وهناك سببا آخر لكنه أقل أهمية من السببين السابقين ، وهو أن مواضيع خطب الجمعة أصبحت معروفة لدى المصلين ، فلو جاءت الجمعة قبل رمضان بيومين لعلمنا أن الخطبة ستكون عن رمضان ، ولو كانت قبل شهر ذو الحجة لكان موضوعها عن الحج وآدابه ، بالإضافة إلى شعور المصلين بالتكرار في تلك الخطب من عبارات ومواضيع ، فتخيل معي خطيب بأسلوب ثابت  وخطبة مواضيعها مكررة وعبارات مستهلكة ، كيف سيكون حال المصلي ، سيخرج وهو يُفكر في بطنه ونومه والسبب أن مكونات الخطبة لم تصل لذلك المستوى الذي ينتظره ، حتى أن بعض الخطباء يفتقد للغة الجسد واللحن الخطابي بحيث يرفع صوته تاره ويخفظه تاره على حسب ما يتحدث عنه ، ويُحرك يديه ويُمثل ببعض الكلمات بها ، بل حتى  يدعوا للتفكر والنظر لقدرة الله تعالى ويدعمها بعباراته المؤثرة التي تجعل المصلي يعيش في عالم الخطبة ويتفاعل معها بالتركيز والإنصات والسؤال عن الحال ، ويختمها بعبارات الدعاء لذلك الخطيب ، جزاك الله خيرا ، فمنبرك ليس مهجورا .

 أخيرا ، توحيد الخطبة نقطة إيجابية وجميلة ، ولكن على المسؤولين الإهتمام بتطوير الخطباء من خلال دورات تدريبية  في فن الخطابة وكيفية التأثير على جموع المصلين الذين جاؤوا مبكرين للمسجد ، وقدرة الخطيب على تقديم أسلوب توعوي ديني قوي سيجعله ضمن اهتمامات كل مصلي  في ذلك المسجد ، وسيسعى كل شخص بالتواجد في الصفوف الأولى للإستماع له ، وهذا يساعد على إرسـال رسـائل دينية في كل جمعة للمسلمين والذين يُكملون المهمة وينقلونها إلى أهلهم ويعلموهم مما تعلموه في الخطبة ، فمنابر الجمعة يجب أن تكون منابر من نور تُضيء لكل مسلم الطريق الصحيح وتُساعده على أن يهتم بعلاقته مع ربه ، حيث أن هذه المنابر دورها قوي في إخراج الناس من ظلمات المعاصي إلى نور الإيمان والتقوى ، فعلينا الاهتمام بها حتى لا تصبح منابر مهجورة .

شاركنا بتعليقك عن خطباء وخطبة الجمعة .. 🙂

2 thoughts on “منابر مهجـــورة”
  1. بورك فيك على طرح هذا الموضوع المهم والمغيب في آن واحد فلكأن الناس تعودت على هذا الروتين والبرودة في حطب الجمعة ولكأن الخطباء اطمئنوا ورضوا بخطبهم المكررة حتى أصبح الأمر جزءا من المشهد اليومي للإنسان العربي يتبع بقية المشاهد من بطالة ومشاكل اجتماعية وبيروقراطية …وهذا ما جعل المسجد يفقد دوره المحوري في المجتمع المسلم وفي تحريك وتوجيه القلوب والضمائر كما كان عليه الحال في أيام الرسول وما تبعها من عهود مشرقة من تاريخ الأمة العظيم وهذا ما خطط له الأعداء و أرادوه من تغييب لرسالة المسجد عن آداء دورها في المجتمع و الإكتفاء بفتح أبوابه في أوقات الصلوات الخمس مع خطبة الجمعة المحضرة مسبقا وفق حركة الرياح التي تحركها في الإتجاه الذي تميل إليه …ولكنها والله أمانة سيسأل عنها الخطيب والإمام وكل الذين يقفون وراءه والمنابر مسؤولية ثقيلة وعظيمة لا يفرح بها كثيرا من ابتلي بها لأنه إن لم يكن مخلصا متفانيا في عمله مستشعرا لخطورة وجسامة ما هو فيه فستكون بابا من أبواب العذاب والحساب قد فتح له فليفرح قليلا وليبكي كثيرا والله المستعان

  2. كلام رائع .. وخاصة عبارة ” المسجد فقد دوره المحوري أو الحيوي في المجتمع ”
    وجميعا يعلم كيف كان دوره في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عنهم ..

    عباراتكِ رائعة .. نعم من يقف على المنبر يحمل مسؤولية ثقيلة .. وأين هم الذين يشعرون بتلك المسـؤولية ..؟

    بارك الله فيكِ ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *