طرحنا سؤال عن تربية الأبناء وذلك لأهمية الموضوع وحاجتنا الماسة إلى أساليب جديدة ومبتكرة في تربية الأبناء لأن الأساليب القديمة لن تُجدي نفعا مع الجيل الحالي الذي أصبح أكثر انفتاحا مع رياح التطور والتغيير ، بل وتسبب في زيادة حساسيتهم وسهولة تأثرهم بحالات نفسية من أي كلمة أو موقف،لدرجة دخول الطبيب النفسي في حياتنا لمعالجتهم والذي لم يكن له وجود في الماضي لأن أساليب التربية كانت تُنتج رجالا أشداء قادرين على تحمل المصاعب ومواجهة تحديات الحياة الصعبة في تلك الفترة من دون أن يتأثرون نفسيا بذلك ، بل لم نسمع عن حالات الانتحار بينهم أو تعرضهم لحالة نفسية تجعلهم يمتنعون عن الاكل والشرب أو ينعزلون عن العالم ، أما اليوم في حالة الانتحار أصبح خبر قديم يصادفنا في الصحف المحلية ، وآخرها انتحار شاب وهو في عمر الشباب ، ومثل هذه الحالات تحتاج لوقفة جادة لمعالجتها وهذا هو سبب تأجيلي لتدوينات كثيرة .

 

لا يختلف اثنين أن هناك عوامل كثيرة أصبحت تؤثر على شخصية الفرد وتعاملات وعلاقاته مع الآخرين بإيجابية أو سلبية ، فالتأثير الإيجابي لن نُعاني معه ولا نحتاج للوقوف عليه بل يجب أن نسلط الضوء على التأثيرات السلبية من تلك العوامل ومنها الانفتاح والتطوير والإعلام المرئي والمقروء ، فتلك أدوات تؤثر على كل من يتفاعل معها والمشكلة الكُبرى فيها عندما تؤثر على النفسيات والشخصيات فيتحول الشاب إلى شكل آخر لأنه كان مُدمن على مُسلسل جعله جزء من حياته ويحاول تطبيق ما شاهده مع كل من يتعامل معه في حياته ، وهناك الوتر الحساس الذي يقلب حياة فرد من استقرار إلى تقلبات نفسية وأزمات قلبية والتفكير في إنهاء الحياة بالانتحار والسبب أننا فتحنا الباب لغزو تلك القنوات وبرامجها لداخلنا وتغييرنا ظنا منا أن هذا هو الأفضل لنا وهذا هو الانفتاح وهذه هي الحياة التي يجب أن نعيشيها “حياة المثالية ” ، وبئس تلك المثالية إن كانت بعيدة عن القرآن الكريم والسنة النبوية .

حالات الانتحار التي أصبحت دخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحتاج لوقفة وتكاتف الجميع ، فالموضوع ليس مزحة وهو خطر قادم بقوة إلينا إن لم نتعلم الأساليب الصحيحة لمواجهته ، فاليوم في العائلة الواحدة يتعرض الأبناء لحالات نفسية لمواقف معينة في المنزل أو في المدرسة أو مع الأصدقاء والزملاء ومع غياب دور الآباء والأمهات لكانت الكارثة ولأصحبنا اليوم نطبع تقارير عن حالات الانتحار أو عن الحالات النفسية وحياة العزلة والتي ما هي إلا تمهيد للتفكير في إنهاء الحياة ، والشيطان يجري مجرى الدم في الإنسان ، وكل ذلك من أين سيأتي ؟ فكما ذكرنا أنه تأثير من التطور والتغيير ووسائل الإتصال بأنواعها ، وربما يعتبرني البعض أنني مُبالغ في ذلك ، ولكن دعونا نطرح هذه التساؤلات :

  • كم عدد الفتيات اللاتي تعرضن لحالة نفسية قوية بعد فشل علاقاتهن مع شاب تظن أنه مُغرم بها .؟
  • كم عدد الشباب والفتيات الذين يعيشون حياة منعزلة ؟ ( الإنعزال حالة نفسية في الغالب ) .
  • ألم تمر علينا حالات في حياتنا تعرض البعض إن لم تكن الأغلبية لحالة نفسية بشكل سريع من موقف بسيط ؟
  • كم عدد الحالات النفسية بسبب عدم حصول الشخص على وظيفة ؟
  • كم عدد حالات الطلاق التي تحدث بسبب رغبة الطرفين بحياة شبيه بما في الأفلام والمسلسلات ؟
  • كم عدد الأشخاص الذي يقومون بتطبيق ما يُشاهدونه في التلفاز ؟
  • كم عدد حالات الزواج التي تمت بعد  علاقة حب طويلة ؟
  • كم عدد حالات عقوق الوالدين ؟ ( نسبة منها سببها حالة نفسية من الابناء بسبب الوالدين )
  • كم عدد الأشخاص الذي يتمنون الانتحار الآن ؟ ( لو أحل الانتحار ) .

هذه مجموعة من التساؤلات العشوائية ولدي المزيد منها ، لأن الحالة النفسية أصبحت منتشرة وبكثرة بيننا وخطورتها في زيادة معدلاتها ، فحالة نفسية بسيطة ستزول بعد ساعات ، أما المواقف والأحداث القوية تستمر لعدة أيام وشهور وربما للأبد ، وما هي إلا مقدمة للتفكير في مسألة الانتحار وخاصة في ظل وجود المؤثرات التي تحدثنا عنها وتأثيرها القوي على الفرد ، إذا الموضوع يحتاج إلى علاج قبل أن يصل إلى مرحلة متقدمة في النفسية ، وهناك نقول ونكرر دور الوالدين المفقود من الجانب النفسي تجاه الأبناء ، فأغلب العائلات اليوم تفتقد مهارات العلاج النفسي الذي أصبح ضرورة  في حياتنا لإختلاف الجيل الحالي عن الجيل القديم ، وهذا الأمر يتطلب أساليب جديدة ومهام إضافية للأب والأم حتى لا تتفاقم الأمور وتصل إلى مرحلة الندم والبكاء وخاصة عندما تفقد فلذ كبدك بسبب إهمالك وعدم تواجدك مع أطفالك ومحاولة خلق حالة نفسية في العائلة تكون  مستقرة ومرتفعة حتى يُمكننا صناعة درع واقي لهم من تلك المؤثرات .

الطفل طبعه عندما يدخل الجديد في حياته يبدأ بوضع التساؤلات ويبحث عن إجابات لها أو أن يقوم بالتجربة والمحاولة من دون الإكتراث للعواقب والنتائج المترتبة ، وهنا اطرح سؤال لجميع الآباء والإمهات  هل قمت ولو مرة واحدة بالتوضيح لأبنائكم وبناتكم عن ما يُعرض على شاشات التلفاز وبينتم لهم خطورته ، وتوجيههم بعد الإنسياق لتلك الحياة التمثيلية ، ولكم مثال بسيط على ذلك بعد عرض مسلسل تركي ” مهند ونور ” ، ماذا حدث في العالم العربي ؟ سمعنا عن حالات المقارنات بين المهند والشباب العربي ، فتلك الفتاة اشترطت على خطيبها بأن يكون مثل مهند ، وأخرى طلبت الزواج في منزل مهند ، وغيرها من الأمور التي نخجل من ذكرها ، فهذا هو التأثير السلبي ، وكل تلك الحالات ما هي إلا حالات نفسية تسببت بمشاكل في المجتمعات من المفترض أن لا تتأثر وذلك لأنها مجتمعات إسلامية ، بالإضافة إلى أنه كشف قصور في عملية التربية ، فالتربية السليمة تصنع درع للتصدي لمثل هذه التأثيرات والتغيرات ، ونحمد الله أن الأمور لم تطور إلى ما هو أكثر من ذلك .

اخيرا علاج الانتحار والحالة النفسية يأتي من خلال سؤال آخر للوالدين ” ماذا تعرف عن ابنك ” أو ” هل تعرف بماذا يفكر ابنك ” الأغلبية لا يعرفون شيء عن أبنائهم أو حتى بتفكيرهم وذلك بسبب ضعف روابط التواصل فيما بينهم وانشغالهم بأعمالهم على حساب العائلة ، فالوالدين يظنون أن توفير الحياة الكريمة من أموال ومأكل ومشرب وتعليم من أهم الأمور في حياة أطفالهم دون النظر للجوانب الأخرى والتي لا تقل أهمية ، فالجلوس الإنفرادي مع الابن أو الابنة ومحاورتهم ومعرفة ما يجول بخاطرهم أو الوقوف على مشاكلهم ومعالجتها يساعد على تحسين العلاقة فيما بينهم ويعزز ثقتهم فيهم ، مما يساعد على فضفضة الابن لأبيه عند حدوث أي مشكلة كانت كبيرة أو صغيرة ، وبذلك يضمن الوالدين إطلاعهم المستمر على وضع أطفالهم والتدخل الفوري إذا احتاج الأمر إلى ذلك ، وكذلك عدم اهتمام رب الأسرة بتطوير نفسه من دورات تدريبية في المجالات النفسية مثل دروة في البرمجة العصبية ودورة في الحرية النفسية  كيف ستؤثر هذه الدورين في التعامل مع أفراد العائلة وحل المشاكل وقطع رأس الأفعى بدلا من محاولات تقطيع الذيل الذي لن يُقدم شيئا في الجانب النفسي  ، وكل ذلك يدخل في أساليب التربية الحديثة والتي سنتطرق لها في موضوع منفصل ، الأهم من ذلك أن ننتبه لأولادنا وبناتنا ونتابعهم من بعيد ونحاول أن نصل إلى ما في صدورهم ، فتوقعاتي تقول أن حالات الانتحار ستزداد في السنوات  القادمة  في حالة غياب الوازع الديني وتمكن الوالدين من التعامل معهم بالطريقة السليمة التي تضمن لنا محافظتنا على أطفالنا وحمايتهم من المؤثرات الداخلية والخارجية ونضرب عصافير بحجر واحد ، لأننا فهمنا عبارة ” انتبهوا .. إنه انتحار ” .

 

One thought on “انتبهوا … إنه إنتحار !!”
  1. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” (النساء:29)، فالنفس ملك لله وليس لأحد أن يقتل نفسه ولو زعم أن ذلك في سبيل الله

    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ”

    الانتحار فيه تسخط على قضاء الله وقدره ، وعدم الرضا بذلك ، وعدم الصبر على تحمل الأذى ، وأشد من ذلك وأخطر وهو التعدي على حق الله تعالى

    “من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ”

    أنا من وجهه نظري لا أقتنع بوجود أي سبب للانتحار .. إلا إذا كان مضطرب نفسيا أو ضعف وازع ديني أو بعض الانحرافات السلوكية كالايمو و غيره ..
    فالإنتحار عمليه تراكمية من أشياء حدثت ولم تعالج .. ف حتى الاله و هي مبرمجة بآليات عند تراكم الضغوط فوق التحملية تتجه للنهاية بكل الأحوال مالم يتم حلها في بدايه الأمر مثل الاضطراب وضعف الديني والانحرافات لابد من علاجها من البدايه و إلا العلاج بعد مرحله البداية لا أهمية له

    موضوع له تداخلات كثيره فحاولت الاختصار قدر الإمكان .. حمانا الله و أياكم من شرور الدنيا و فتنها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *